[size=21]* أيتها الأخت الكريمة : أوجه إليك كلماتي وأرجو أن تلامس شغاف فؤادك وأن تتأملي فيها، فأنا لا أريد لك إلا الخير. ولم أخاطبك هكذا اعتباطا، بل أعلم أن في قلبك خير وإيمان والحمد لله؛ إنما هو إيمان يحتاج إلى من ينفض عنه غبار الإهمال ومن يصرف عنه مغريات الحياة وملهياتها.
* أختي في الله : تقربي إلى خالقك. إنه قريب منك ولكنك أنت البعيدة عنه … إنه خالقك، وبارئك، ورازقك النعم التي لا حصر لها ولا حساب … رزقك الشفتين واللسان، فلا تقولي بهما المنكر، ولا تتحدثي بالزور والباطل … رزقك العينين الجميلتين، فلا تنظري بهما إلى الرجال بلا حسيب ولا رقيب، ولا تفتني بهما الشباب، وغضي بصرك فهو أزكى لك وأطهر … ورزقك اليدين فلا تبطشي بهما ولا تمديهما إلى الحرام … رزقك الرجلين فلا تتخذينهما وسيلة للمشي إلى الحرام … ورزق العقل لتميزي بين الخبيث والطيب، وبين الصالح والطالح، وبين الحسن والقبيح، وبين الغث والسمين، فحاولي استخدامه في ما يرجع عليك بالخير العميم في الدنيا والآخرة، ولا تجعلي عقلك سلة للنفايات والقاذورات من تفا هات الموضة وأخبار الفنانات والمسلسلات الساقطة … ورزقك قلبا ينبض بالحياة، فحاولي أن تجعلي قلبك حيا ذاكرا الله عز وجل، ولا تجعليه سريرا يتقلب فيه العشاق والأخدان.
* أختي في الله : كأنك تقولين الآن : إن نفسي تريد الرجوع إلى خالقها؛ تريد الأوبة إلى فاطرها؛ لقد أيقنت أن السعادة في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف صنوف المحرمات … ولكن مع ذلك لا تعرفين كيف تتوبين ؟ ولا من أين تبدئين !. أقول لك : إن الله عز وجل إذا أراد بعبده خيرا يسر له الأسباب التي تأخذ بيده إليه، وتعينه عليه.
اصدقي النية واخلصي التوبة لله، فإنك إذا أخلصت لربك وصدقت في طلب التوبة أعانك الله وأمدك بالقوة، وطرد عنك الآفات التي تعترض طريقك وتصدك عن التوبة … ومن لم يكن مخلصا لله استولت على قلبه الشياطين؛ فلا تكوني كذلك حتى لا يصير في قلبك السوء والفحشاء. لهذا قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام : "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين".
* أختي في الله؛ حاسبي نفسك فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على البعد عن الشر وتساعد على تدارك ما فات. وحاولي أن تذكري نفسك، عظيها وعاتبيها وخوفيها. قولي لها : يا نفس، توبي قبل أن تموتي، فإن الموت يأتي بغتة. وذكريها بموت فلان وفلان … أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك ؟ والقبر بيتك ؟ والتراب فراشك ؟ والدود أنيسك؟ … أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة ؟
هل ينفعك ساعتها الندم ؟ وهل يقبل منك البكاء والحزن ؟ … ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك؛ وهكذا تظلين توبخين نفسك وتعاتبينها وتذكرينها حتى تخافين من الله فتئوبين إليه وتتوبين.
* أختي في الله : اعزلي نفسك عن مواطن المعصية لأنك إذا تركت المكان الذي كنت تعصين فيه الله، أعانك ذلك على التوبة؛ فإن الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا، قال له العالم : "إن قومك قوم سوء، وإن في أرض كذا وكذا قوما يعبدون الله فاذهب واعبد الله معهم" …
ولا تنسي أن تبتعدي عن رفقة السوء، فإن طبعك يسرق منهم، واعلمي أن رفيقات السوء لن يتركوك خصوصا أن من ورائهن الشياطين تؤزهن إلى المعاصي أزا، وتدفعهن دفعا وتسوقهن سوقا. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" … ثم تدبري عواقب الذنوب، فإنك إذا علمت أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد، دعاك ذلك إلى ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى الله إن كنت اقترفت شيئا منها…
وحاولي أن تذكري نفسك بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوفيها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه. واشغلي نفسك بما ينفع، وجنبيها الوحدة والفراغ؛ فإن النفس إن لم تشغليها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود إلى رفقة السوء … وخالفي هواك، فليس أخطر على العبد من هواه ولهذا قال الله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) … قال أحد السلف : "شر إله عبد في الأرض الهوى"؛ فإذا أردت يا أختي الكريمة أن تتوبي توبة نصوحا عليك أن تحطمي في نفسك كل ما يربطك بالماضي الأثيم، ولا تنساقي وراء هواك.
وهناك أسباب أخرى تعينك أيتها الأخت على التوبة منها : الدعاء إلى الله أن يرزقك توبة نصوحا، وذكر الله واستغفاره، وتذكر الآخرة وتدبر القرآن، والصبر في البداية والنهاية واختيار الصحبة الصالحة الناصحة.
فهلمي يا أختي إلى رحمة الله وعفوه، وتداركي نفسك قبل فوات الأوان … دعي عنك لباس الكافرات … دعي عنك لباس السراويل الضيقة اللاصقة على جسدك … دعي عنك الثياب التي تصف عورتك … فهل طار الخجل ؟ أين الحياء يا أمة الجبار؟ ؟ إلى أين أنت ذاهبة ؟ ألا تخجلين وأنت تمشي في الشارع مزهوة كالطاووس، ومفاتنك تكاد تظهر للعيان ؟. ابتعدي عن نتف الحاجب أو وصل الشعر أو فلج الأسنان، ولا تتشبهي بمن مصيرها النار … فالمرآة الغربية نصرانية كانت أو يهودية في النار (المغضوب عليهم والضالون)؛ فلا تتشبهي بها … استعملي عقلك قليلا، وانتبهي إلى أنك مسلمة عربية، وأن الله خاطبك في القرآن الكريم، ونهاك عن التبرج وإظهار المحاسن أمام الرجال الأجانب، وأمرك بتغطية الرأس والنحر والصدر والساقين. انظري إلى سورة النور والأحزاب وأقرئي آيات الحجاب، ولا تترددي في ستر رأسك، فهو واجب فرضه الله عليك تماما كباقي الفرائض … فهل تؤمنين ببعض الكتاب وتكفرين بالبعض الآخر ؟ !. لا، هذا ليس من أخلاق المسلمة … فكوني مؤمنة قلبا وقالبا، وشكلا ومضمونا، فالإسلام جاء ليهتم بالشكل والمضمون معا؛ ودعي عنك أولئك الذين يقولون: إن الشكل غير مهم فالمهم هو ما في القلب … طبعا، المهم هو ما في القلب، لكن يجب ترجمته إلى أفعال وسلوكيات وحقائق … فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل … نعم، يجب العمل لتجسيد الإيمان الذي وقر في القلب … أخيرا، أكرر كلامي، فلولا حبي الخير لك ما كتبت لك هذه الكلمات التي أرجو أن تكون قد لامست شغاف فؤادك. واسأل الله تعالى أن يوفقك لقبول الحق والعمل به، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.والسلام عليك ورحمة الله.